دين و دنيا

صفات عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب: هو ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي. ولقبه الشهير هو أبو حفص، بينما عُرف بلقب “الفاروق” لتمييزه بين الحق والباطل حين أظهر إيمانه في مكة المكرمة. كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يُعزّ الإسلام بإسلام عمر أو أبي جهل بن هشام، حتى كان إسلامه نقطة تحول هامة في تاريخ الدعوة.

بدأت قصة إسلامه عندما ذهب إلى بيت أخته وزوجها اللذين كانا قد أسلما، فغضب وضربهما. ولكن بعدما قرأ جزءًا من القرآن الكريم في صحيفة كانت بحوزة أخته، هداه الله فأسلم. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه، ففرح الصحابة والنبي بذلك.

شجع عمر بن الخطاب النبي على الجهر بالدعوة الإسلامية، حيث شعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه حان الوقت لذلك. خرج المسلمون صفين، وكان عمر في مقدمة الصف الأول، وحمزة بن عبد المطلب في مقدمة الصف الثاني. وعندما رأت قريش هذا المشهد، أصابهم الحزن والدهشة من قوة المسلمين الجديدة.

عاش عمر بن الخطاب العديد من التحديات والصعاب في سبيل الإسلام، وكان له دور محوري في تقوية المسلمين وتعزيز قوتهم.

صفات سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه طويل القامة، أبيض البشرة مائلًا إلى اللون الأفتح (أمهق)، وأصلع الرأس، مع ظهور حمرة على بشرته. كان وجهه جميلًا، حيث كان يمتلك خدين ممتلئين، وأنفًا مستقيمًا، وعينين حادتين. كما كان له كفان وقدمين غليظتين، ويتميز بجسمه المجدول بالقوة والصلابة. كان شارب عمر طويلًا، وكان يُخضب بالحناء. أما مشيته، فقد كانت سريعة ومهيبة، تعكس قوته البدنية وشدته.

تميّز عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات الأخلاقية الكريمة.

وهي كثيرة لا يمكن حصرها في مقالٍ، لِذا نذكر أبرزها فيما يأتي:

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الخوف من الله تعالى. وكان دائمًا يُحاسب نفسه بانتظام، مؤمنًا بأن محاسبة النفس أمر بالغ الأهمية قبل يوم الحساب. وكان يُوصي الناس قائلاً: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر” (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ). وكان دائمًا يعكف على مراجعة نفسه. فإذا شعر أنه أخطأ في حق أحد، كان يطلب منه أن يُحاسبه أو يُقتصّ منه، حتى يبرئ ذمته أمام الله تعالى.

وقد عبّر عمر عن شدة خوفه من الله بقوله: “لو مات جَدْيٌ (جمل صغير) عند شاطئ الفرات لخشيت أن يحاسبني الله عنه”. وهذا يدل على تقوى قلبه وحرصه على أن يكون مسؤولًا عن كل أمر صغير أو كبير في حكمه، خوفًا من أن يقع في ظلم أو تفريط بحق الله أو خلقه.

تميّز عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقوة والشجاعة، وكان دائمًا يقف في صف الحق دون أن يخشى أحدًا. كان جريئًا في الدفاع عن الحق، ولا يتردد في مواجهة المخاطر، ولا يهاب لومة لائم. ومن أبرز المواقف التي تعكس شجاعته ما رواه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: “ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا إلا عمر بن الخطاب…”، مما يدل على جراءة عمر واستعلانه بالإيمان.

فعندما قرر عمر الهجرة من مكة إلى المدينة، لم يختبئ أو يهرب كما فعل العديد من الصحابة خوفًا من بطش قريش، بل أخذ سيفه وقوسه، وحمل الأسهم في يده، وتوجه إلى الكعبة. فطاف حولها سبعًا وصلّى ركعتين، ثم جاء إلى أشراف قريش الجالسين عند الكعبة وقال لهم: “شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه، ويُؤتم ولده، وترمل زوجته؛ فليقني وراء هذا الوادي”. بهذه الكلمات الجريئة أعلن عمر عن هجرته، متحديًا كل من يحاول إيقافه، ورفض أن يختفي أو يتسلل كما فعل الآخرون. وبالفعل، لم يتبعه أحد، فظل ثابتًا على موقفه في إعلانه للهجرة.

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلاً كثير العلم، ومن أقوال أهل العلم الدّالة على ذلك ما يأتي:

قال مجاهد -رحمه الله-: “إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به”.

قال الشعبي -رحمه الله-: “مَنْ سَرَّه أن يأخذ بالوَثيقة في القضاء، فليأخذ بقول عمر”.

قال ابن المسيّب -رحمه الله-: “ما أعْلَم أحدًا بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلم من عمر بن الخطاب”.

اشتهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزهد والكرم، وكان مثالاً في التواضع وحرصه على إنفاق ماله في سبيل الله. فقد أنفق نصف ماله في الجهاد في سبيل الله. وعندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عمّا أبقاه لأهله، أجاب قائلاً: “تركت لهم شطر مالي”، فثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأثنى على سخائه وإخلاصه.

وفي غزوة خيبر، عندما غنم المسلمون مالًا، أوقف عمر رضي الله عنه ذلك المال للفقراء والمساكين واليتامى وذوي القربى، مُؤكدًا بذلك على حرصه على تقديم الخير للمحتاجين. وكان يعيش حياة بسيطة جدًا. حيث كان يأكل الخبز والزيت فقط، ويعمد إلى ربط حجر على بطنه من شدة الجوع. ويقول لبطنه: “قرقري كما تريدين، والله لا تأكلين إلا هذا الطعام، زيت وخبز”.

هذه الحياة البسيطة التي اختارها عمر تعكس زهده الكبير وابتعاده عن متاع الدنيا، مفضلاً العيش على ما يقيم أوده من الطعام البسيط في سبيل الله.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد التواضع، رغم مكانته الرفيعة كأمير المؤمنين. وقد ورد في صحيح البخاري أنه كان يسير على حماره ذات يوم، فصادفته امرأة فوقفته وأغلظت له في القول. فتعجب أحد الرجال وقال: “يا أمير المؤمنين، ما رأيت كاليوم!”، مستغربًا من أن امرأة تعاتبه بهذه الطريقة. فردّ عليه عمر رضي الله عنه قائلاً: “وما يمنعني أن أسمع لها، وهي التي سمع الله لها وأنزل فيها ما أنزل: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)”.

وكان عمر بهذا الرد يؤكد تواضعه العميق وفهمه الواسع، حيث أظهر أنه لا يعتقد نفسه أعلى من أن يستمع إلى امرأة عادية، خاصةً وأن الله عز وجل قد ذكر امرأةً تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم.

اشتهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعدل الكبير في رعيته، وكان يسعى دومًا لتحقيق العدالة والمساواة بين الناس. وفي يوم من الأيام، جاء رسول من الروم يسأل عن قصر أمير المؤمنين. فأرشده أحد الرجال إلى مكانه، فقال رسول الروم: “أسأل عن أمير المؤمنين لا عن أحد الرعية”. فأجابه الرجل بأنه هو أمير المؤمنين. وعندما وصل رسول الروم إلى المكان، فوجئ بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان نائمًا تحت شجرة في العراء، دون حرس أو حواجز تحيط به.

عندئذٍ، قال رسول الروم مقولته الشهيرة: “حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر”. وهذه الكلمات تلخص حال عمر رضي الله عنه في تلك اللحظة. حكم بالعدل، فعمّ الأمن في الأمة، مما جعله ينام في راحة بال، مطمئنًا إلى أنه لم يظلم أحدًا. كان هذا المشهد نموذجًا رائعًا للعدالة التي سادت في عهد عمر. حيث شعر كل شخص بالأمان والطمأنينة في ظل حكمه العادل.

المراجع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى